لابد أنه قد استوقفتك تلك الصور المستهجنة التي تنسب للفن السريالي
ولعلك استنكرت تسمية تلك المسوخ فنا، لارتباط الفن بالجمال.
فمن أين أستوحى الرسامون تلك الطريقة الغريبة، للتعبير عما يختلج في صدورهم ويضطرب في أفئدتهم.
ولكن حاول أن تتذكر، أ لم يسبق لك أن شاهدت مثل تلك الصور، في مواضع أخرى غير معارض اللوحات سريالية؟، أ لم تتراءى لك في أحلامك؟، فهل فكرت بعلاقة السريالية بالأحلام؟
اعتاد الناس على جمالية المشاعر وعذوبة التعبير عنها، كالشعر الذي تخضع لرقته القلوب، مستثيرا الحنين فيها، ومهيجا الأشواق منها.
وذاك مسلك تخلت عنه السريالية، وبدلا منه تمثل تأثير السريالية بالاستفزاز، لانعدام المنطق في عناصر الصورة، فمثلا قد تصور السريالية شكل اللسان على هيئة ذيل سمكة، مما يدعو للاشمئزاز والاستهجان.
السريالية طريقة تعبير
ما لا يعرفه الكثيرون عن السريالية أنها لا تقتصر على الرسم، بل هي طريقة للتعبير تمتد إلى الكتابة والموسيقى والتمثيل، لكنها أشد ما ارتبطت بالرسم، لأنها أساسا اشتقت من لغة صورية: من الأحلام.
نشأة السريالية (علاقة السريالية بالأحلام)
قام الفن السريالي على نتائج دراسة سيغموند فرويد لطبيعة الأحلام، وبالطبع فرويد لم يكن رساما ولا فنانا، وإنما طبيبا عصبيا، وجه اهتمامه للتحليل نفسي، مستخدما الأحلام كأداة لسبر أغوار النفس البشرية.
عمد فرويد لتدوين ما يصفه المرضى في أحلامهم، ليكتشف السريالية في الأحلام، أي الارتباطات غير المنطقية لعناصر الحلم، وعزاها فرويد إلى طريقة تنكرية تستخدمها المشاعر المكبوتة للتعبير عن نفسها.
أثرت أفكار فرويد على طريقة التفكير السائدة وقتئذ حتى طالت الفنانين، الذين أخذوا يرسمون ما يتراءى لهم في الأحلام.
معيار السريالية في الأحلام
يتفاوت الناس بمدى سريالية أحلامهم، فبعض الناس تسلم أحلامهم من التشويه فلا تختلف عن الحقيقة، فتكون أحلامهم واقعية ومنطقية، وتقع كما هي دون حاجتها إلى التفسير.
وبعض الناس تتمادى أحلامهم في سرياليتها حتى تبهم معانيها ويتعذر التعرف على مقاصدها.
متى اتجه الناس للاهتمام بلغة الأحلام ورموزها
اهتم الناس منذ قديم الزمان بتفسير الأحلام وتحليل رموزها، وظهر متخصصون في تحليلها وتفسيرها مثل محمد بن سيرين.
بل وأقدم من هذا كما في حلم الملك في قصة يوسف عليه السلام، حيث استخدم الحلم صورة البقرة في المنام للتعبير عن السنة، إننا في وقتنا الحاضر نستخدم الأرقام للتعبير عن السنوات، مما يجعلنا نتعجب من استخدام الحلم لهذه الرمزية.
لغة الأحلام هل هي عامة مشتركة أم خاصة؟
يتساءل بعض المهتمين بلغة الأحلام: هل لغة الأحلام موحدة بين جميع الناس؟، يميل معظم المفسرين إلى وضع خطوط عامة مشتركة بين سائر الناس، مع تنبيههم إلى وجود فوارق شخصية بين لغات الأحلام، ترجع إلى الحالة الخاصة لكل فرد.
فلكل فرد دلالاته الخاصة في تفاصيل حلمه، والتي لا يمكن تفسيرها إلا بالرجوع إلى المشاعر، التي تنطوي عليها النفس.
واقرأ أيضا هل يمكن للعلماء قراءة الأفكار قبل أن تعرف ما تفكر فيه؟